بهذه الترجمة الجديدة عن اللغة الروسية لرواية “الليالي البيض” تسعى دار سؤال لاستحضار الطاقة الشعرية والجمالية الهائلة لهذه الرواية الفريدة التي تتجلى فيها على نحو ساطع الروح الشاعرية الحالمة لدوستويفسكي، والتي اتخذت بعد ذلك طريقها سَرَبا كسمة أساسية من سمات أسلوبه الأدبي والفني، وإن كانت قد توارت قليلاً في ظل الشمس المتوهجة للقضايا الكبرى التي تناولتها رواياته اللاحقة.
في هذه الرواية سحرٌ من أنفاس الطفولة، وأحلام الصِبا، وسذاجة اليفاعة، حيث النفسُ لاتزال سارحةً في خيالاتها، هائمةً في ملكوتها، مستغرقةً في عالمها، وذاهلةً عن كل ما حولها؛ فكل ما تراه، وتسمعه، وتحسه ليس واقع الأشياء كما هو، بل كما أوجدته في نفسها، وشكَّلته بأحاسيسها.
إن هذا الشاب الحالم لا يمشي في شوارع المدينة، وبين بيوتاتها ومبانيها، وفوق جسورها، بل إن هذه الشوارع والبيوتات والمباني والجسور تمتد إلى ما لا نهاية داخل نفسه، وتنفتح وتنبسط بكل دفء وحميمية.
في هذا العالم الحُلمي الشاعري ل”الليالي البيض” تتصادف الأرواح الهائمة، الشاب الحَالِمُ والفتاةُ العَاشِقَةُ، فتتلاقى أحلامها الشاعرية، وتتمازج أشواقها المشبوبة تحت سماء “الليالي البيض” التي تتحول من كونها ظاهرة طبيعية تُمَيزُ مدينة سان بطرسبرج في أيامٍ من السنة، إلى دلالةٍ رمزيةٍ لبياض سريرةِ هذه الأرواح الهائمة، ونقاء أحلامها، ووميض أشواقها الظامئة للحب والوجود، لا في عالم الواقع الذي يحيط بها، بل في العالم الذي تتوق إليه، وتصبو إلى أن تكونه.
والتي اتخذت بعد ذلك طريقها سَرَبا كسمة أساسية من سمات أسلوبه الأدبي والفني
There are no reviews yet.