“المتنبي هو سبب المأساة، أو جزء منها. سحَر الجميع بقوة نظمه وجزالة شعره… آويته وقد أعرض عنه الجميع.. آويته ولم يجد حاضناً ولا مُؤْنساً.. ومَن ذا يُؤوي شخصاً مُعتدّاً بنفسه، يملأه الزُّهو ويستبد به العُجب؟!… رقّ قلبي له وقد أتاني لاجئاً.. كنت أرى ما حلَّ بالعراق من تمزق، وما لحق بسوريا من دمار، وكان ذلك يُدمي قلبي… خشيت أن يندثر لسانه ويغور شعره… كنت زرت العراق ووقفت بعيني على ما استحدثه التتار الجدد. هلهلوا سدى كان قائماً. الناس أفراد منفصلون بعضهم عن بعض أو شيع وميليشيات. حتى اللغة العربية لم يعودوا يحسنونها.. بل لم يعودوا يحسنون الحياة.. يعادون بعضهم بعضاً، ويقيمون المتاريس، وأضحوا كما في سالف الزمن حِلّاً لكل غازٍ. للبويهيين الجدد والسلاجقة الجدد.. ثم كنت أرى ما حلَّ بسوريا.. دمشق جريحة، وحلب خراب، وحمص أنقاض، ودرعا حطام…
لم أكن أعرف عاقبة أن تستضيف شخصاً منفلتاً من الماضي، ولم أكن أقدّر مغبَّته.
كنت أحسب المتنبي من يمسك مفاتيح الحل لوضع معضل… كنت أعُدّه نيتشه عربياً.. نيتشه من فصيلة أخرى يحقِّق الإنسان الأسمى.. يبرئ قومه من لعنة الميتافيزيقا والخمول والتواكل والتفسيرات الغيبية…”.
* * *
حسن أوريد، كاتب وأديب من المغرب. حائز على جائزة بوشكين للآداب لسنة 2015 من اتحاد كتّاب روسيا. من أعماله الأدبية: “ربيع قرطبة”، “الموريسكي”، “سيرة حمار”، “الأجَمة”.
There are no reviews yet.